26 - 06 - 2024

تباريح | الوحش الذي نربيه

تباريح | الوحش الذي نربيه

(أرشيف المشهد)

  • 4-7-2015 | 01:39

في خضم ثورة 25 يناير بلغ الغضب بالناس حد سحل بعض ضباط أمن الدولة في الشوارع ، بل وإلباس بعض من وقع في يد المتظاهرين ملابس نسائية لتجريسهم ، ولشهور طويلة ظلت الشرطة منكسرة والألسنة تطال ضباطها وأفرادها بسوء ، دون أن يستطيعوا الرد.

كان ذلك تنفيسا عن مخزون غضب راكمته السنوات ، وبدا خلال شهور من عام 2013 وكأن السلطة وأجهزتها استوعبت الدرس ، لكن هذا الاستيعاب سرعان ماتبدد ، لتعود السيدة "ريما" بغشم "إلى عادتها القديمة".

في مصر الآن عشرات الآلاف من المعتقلين ، بعضهم على ذمة قضايا وبعضهم الآخر على سبيل "الاعتقال الوقائي" وآخرون بتحريات أمنية كثير منها ملفق أو كيدي . وفي مصر الآن مئات الضحايا – إن لم نقل آلافا – كثير منهم لم يحملوا سلاحا ، أو يفجروا قنابل .. الغالبية منهم قتل في فض اعتصامي رابعة والنهضة وما سبقها ولحقها من مواجهات ، واعتبرتهم السلطة في عداد الإرهابيين الذين لاتعويض ولا دية لأسرهم.

في مصر الآن مئات الأحكام بالإعدام نفذ مايعد على اصابع اليد منها ، وتنتظر الأخرى درجات التقاضي المختلفة ، قد يقول قائل أن أحكام القضاء لاتعقيب عليها ، فهو بحسب رأي السلطة ومناصريها "قضاء عادل ونزيه" ، لكنه ليس كذلك في رأي كثيرين ومن بينهم قضاة وضباط شرطة ومسؤولين كبار ، فاعتباره عادلا ونزيها يحمل نوعا من مخادعة النفس ، خاصة لو أجريت مقارنة بسيطة بين البراءات بالجملة التي حصل عليها مبارك وحاشيته ورموز نظامه على إفسادهم ونهبهم ثروات البلاد وتشويههم حياة المصريين وذائقتهم وذوقهم ، وحتى انتمائهم للوطن ، لعقود طويلة .. وبين الإعدامات بالجملة التي حصل عليها رموز نظام لم يستمر في السلطة إلا لعام واحد ، ويكفي أن نعرف أن إجمالي من تم تنفيذ إعدامهم من خصوم سياسيين في فترة حكم الرئيس عبد الناصر رغم التحديات الجسام داخليا وخارجيا والمؤامرات والحروب المتواصلة ، لم يتجاوز أصابع اليدين.

كان عبد الناصر يدرك جيدا أهمية الحفاظ على القضاء ونزاهته وحيدته لأنه ضمان استقرار الدول وتقدمها ، ولذلك لم يقترب من جسم هذا القضاء وشكل محاكم استثنائية لجرائم استثنائية ، لكن السلطة الحالية لم تستوعب هذا الدرس وزجت بالقضاء كله في أتون صراع سياسي لا شأن له به ، فتم عزل قضاة بالعشرات على خلفية انتماء سياسي وأحيل قضاة آخرون تفخر بهم سجلات العدالة إلى "الصلاحية" وعلى رأسهم المستشار الجليل زكريا عبد العزيز ، وربما لو كانت قيمة وقامة بوزن المستشار طارق البشري ضمن المنظومة الحالية لأحيل للصلاحية.

في مصر الآن مناطق من شبه جزيرة سيناء خارج السيطرة ، يخشى المواطن فيها على حياته وأمنه الشخصي ، والخشية مضاعفة لضباط وأفراد الجيش والشرطة وكل من له علاقة بالسلطة الحالية ، وفي هذه المناطق أيضا تعامل خشن للسلطة حين تنفذ حملاتها الأمنية ، واعتقالات وإذلال وانتهاك لحرمات البيوت بما يتناقض بشكل صارخ مع الطبيعة القبلية لها ، وينذر بأخطار شديدة .

في كل بيت معتقل أو محكوم بالإعدام 5 أفراد في المتوسط ، مرشحون لأن يكونوا غير أسوياء تحت سوط الاحساس بالظلم والقهر ، ومن ثم فإننا بهذه الطريقة نربي ونسمن الإرهاب في البيوت .. هؤلاء هم هدف أول وصيد سهل لأي تنظيمات إرهابية أو عنيفة .. لن يجدي معهم كثيرا ان تقسم بأغلظ الأيمان أننا نعيش في دولة راشدة تطبق القانون وترعى حرمات مواطنيها ، فما يشاهدونه بأم أعينهم وما يعيشونه من قهر حقيقي يتناقض بشكل صارخ مع ذلك.

لم يفت الأوان بعد لإحقاق الحق وإنصاف المظلومين وانتزاع الغيظ من الصدور .. كل مانحتاجه رؤية صحيحة للأمور ، واختيار مسؤولين يعلون مفهوم الدولة على مفهوم السلطة الزائلة ، ويدركون أن الوطنية الحقة ليست اجتثاث الخصوم ومحوهم ، بقدر ماتتحقق بضمان الحقوق وتطبيق القانون بعدالة.
نريد الحياة في مجتمع متحضر راشد يحتفي بالنقد والاختلاف الذي يبني الأوطان .. وليس في مجتمع ثأري غاشم ، تسود فيه المكارثية على العقل ولا تسمع السلطة فيه إلا من يزين لها أخطاءها ، فنكون كالتي تنقض غزلها كل حين.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان